فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما قوله: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} قال الضحاك ما يملى عليه بكرة يقرؤه عليكم عشية، وما يملى عليه عشية يقرؤه عليكم بكرة.
البحث الثاني: قال الحسن قوله: {فَهِىَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} كلام الله ذكره جوابًا عن قولهم كأنه تعالى قال إن هذه الآيات تملى عليه بالوحي حالًا بعد حال، فكيف ينسب إلى أنه أساطير الأولين، وأما جمهور المفسرين فقد اتفقوا على أن ذلك من كلام القوم، وأرادوا به أن أهل الكتاب أملوا عليه في هذه الأوقات هذه الأشياء ولا شك أن هذا القول أقرب لوجوه: أحدها: شدة تعلق هذا الكلام بما قبله، فكأنهم قالوا اكتتب أساطير الأولين فهي تملى عليه وثانيها: أن هذا هو المراد بقولهم: {وأعانه عليه قوم آخرون} وثالثها: أنه تعالى أجاب بعد ذلك عن كلامهم بقوله: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر} قال صاحب الكشاف وقول الحسن إنما يستقيم أن لو فتحت الهمزة للاستفهام الذي في معنى الإنكار وحق الحسن أن يقف على {الأولين}، وأجاب الله عن هذه الشبهة بقوله: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر في السموات والأرض إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} وفيه أبحاث:
البحث الأول: في بيان أن هذا كيف يصلح أن يكون جوابًا عن تلك الشبهة؟ وتقريره ما قدمنا أنه عليه السلام تحداهم بالمعارضة وظهر عجزهم عنها ولو كان عليه السلام أتى بالقرآن بأن استعان بأحد لكان من الواجب عليهم أيضًا أن يستعينوا بأحد فيأتوا بمثل هذا القرآن، فلما عجزوا عنه ثبت أنه وحي الله وكلامه، فلهذا قال: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر} وذلك لأن القادر على تركيب ألفاظ القرآن لابد وأن يكون عالمًا بكل المعلومات ظاهرها وخافيها من وجوه: أحدها: أن مثل هذه الفصاحة لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات وثانيها: أن القرآن مشتمل على الإخبار عن الغيوب، وذلك لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات وثالثها: أن القرآن مبرأ عن النقص وذلك لا يتأتى إلا من العالم على ما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيرًا} [النساء: 82] ورابعها: اشتماله على الأحكام التي هي مقتضية لمصالح العالم ونظام العباد، وذلك لا يكون إلا من العالم بكل المعلومات وخامسها: اشتماله على أنواع العلوم وذلك لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات، فلما دل القرآن من هذه الوجوه على أنه ليس إلا كلام بكل المعلومات لا جرم اكتفى في جواب شبههم بقوله: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر}.
البحث الثاني: اختلفوا في المراد بالسر، فمنهم من قال المعنى أن العالم بكل سر في السموات والأرض هو الذي يمكنه إنزال مثل هذا الكتاب، وقال أبو مسلم: المعنى أنه أنزله من يعلم السر فلو كذب عليه لانتقم منه لقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} [الحاقة: 44] وقال آخرون: المعنى أنه يعلم كل سر خفي في السموات والأرض، ومن جملته ما تسرونه أنتم من الكيد لرسوله مع علمكم بأن ما يقوله حق ضرورة، وكذلك باطن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبراءته مما تتهمونه به، وهو سبحانه مجازيكم ومجازيه على ما علم منكم وعلم منه.
البحث الثالث: إنما ذكر الغفور الرحيم في هذا الموضع لوجهين: الأول: قال أبو مسلم المعنى أنه إنما أنزله لأجل الإنذار فوجب أن يكون غفورًا رحيمًا غير مستعجل في العقوبة الثاني: أنه تنبيه على أنهم استوجبوا بمكايدتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صبًا ولكن صرف ذلك عنهم كونه غفورًا رحيمًا يمهل ولا يعجل. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ}.
يعني مشركي قريش، وقال ابن عباس: القائل منهم ذلك النضر بن الحارث.
{إِن هذَآ} يعني القرآن.
{إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ} أي كذب اختلقه.
{وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ} وفيمن زعموا أنه أعانه عليه أربعة أقاويل:
أحدها: قوم من اليهود، قاله مجاهد.
الثاني: عبد الله الحضرمي، قاله الحسن.
الثالث: عدّاس غلام عتبة، قاله الكلبي.
والرابع: أبو فكيهة الرومي، قاله الضحاك. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ}.
المراد ب {الذين كفروا} قريش وذلك أن بعضهم قال: {هذا إفك} وكذب {افتراه} محمد واختلف المتأولون في القوم المعينين على زعم قريش، فقال مجاهد أشاروا إلى قوم من اليهود، وقال ابن عباس أشاروا إلى عبيد كانوا للعرب من الفرس أحدهم أبو فكيهة مولى الحضرميين وجبر ويسار وعداس وغيرهم، ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم ما {جاؤوا} إلا إفكًا {وزورًا} أي ما قالوا إلا باطلًا وبهتانًا، والزور تحسين الباطل هذا عرفه وأصله التحسين مطلقًا، ومنه قول عمر رضي الله عنه: فأردت أن أقدم بين يدي أبي بكر مقالة كنت زورتها. وقوله. {وقالوا أساطير الأولين}، قال ابن عباس يعني بذلك قول النضر بن الحارث، وذلك أن كل ما في القرآن من ذكر {أساطير الأوليين} فإنما هو بسبب قول النضر ابن الحارث حسب الحديث المشهور في ذلك ثم رموا محمدًا صلى الله عليه وسلم بأنه {اكتتبها} وقرأ طلحة بن مصرف {اكتُتِبها} بضم التاء الأولى وكسر الثانية على معنى اكتتب له، ذكرها أبو الفتح، وقرأ طلحة {تُتلى} بتاء بدل الميم، ثم أمره تعالى أن يقول إن الذي أنزله هو الله {الذي يعلم} سر جميع الأشياء التي {في السماوات والأرض} ثم أعلم بأنه غفور رحيم ليرجي كل سامع في عفوه ورحمته مع التوبة والإنابة، والمعنى أن الله غفور رحيم في إبقائه على أهل هذه المقالات. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وقال الذين كفروا}.
يعني: مشركي قريش؛ وقال مقاتل: هو قول النَّضْر بن الحارث من بني عبد الدار {إِنْ هذا} أي: ما هذا، يعنون القرآن {إِلا إِفك} أي: كذب {افتراه} أي: اختلقه من تلقاء نفسه {وأعانه عليه قوم آخَرون} قال مجاهد: يعنون اليهود؛ وقال مقاتل: أشاروا إلى عدّاس مولى حويطب، ويسار غلام عامر بن الحضرمي، وجبر مولى لعامر أيضًا، وكان الثلاثة من أهل الكتاب.
قوله تعالى: {فقد جاؤوا ظُلمًا وزُورًا} قال الزجاج: المعنى: فقد جاؤوا بظلم وزور، فلما سقطت الباء أفضى الفعل فنصب، والزُّور: الكذب.
{وقالوا أساطير الأوَّلِين} المعنى: وقالوا: الذي جاء به أساطير الأولين؛ وقد بيَّنَّا ذلك في [الأنعام: 25].
قال المفسرون: والذي قال هذا هو النضر بن الحارث.
ومعنى {اكْتَتَبَها} أَمر أن تُكْتَب له.
وقرأ ابن مسعود، وإِبراهيم النخعي، وطلحة بن مصرف: {اكْتُتِبَها} برفع التاء الأولى وكسر الثانية، والابتداءُ على قراءتهم برفع الهمزة {فهي تُملَى عليه} أي: تُقرَأ عليه ليحفظها لا ليكتبها، لأنه لم يكن كاتبًا.
{بُكرة وأصيلًا} أي: غُدوة وعشيًّا {قل} لهم يا محمد: {أَنْزَلَه} يعني: القرآن {الذي يعلم السرَّ} أي لا يخفى عليه شيء {في السماوات والأرض}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَالَ الذين كفروا}.
يعني مشركي قريش.
وقال ابن عباس: القائل منهم ذلك النضر بن الحرث؛ وكذا كلّ ما في القرآن فيه ذكر الأساطير.
قال محمد بن إسحاق: وكان مؤذيًا للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
{إِنْ هذا} يعني القرآن.
{إِلاَّ إِفْكٌ افتراه} أي كذب اختلقه.
{وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} يعني اليهود؛ قاله مجاهد.
وقال ابن عباس: المراد بقوله: {قَوْمٌ آخَرُونَ} أبو فُكَيْهة مولى بني الحضرمي وعدّاس وجبر، وكان هؤلاء الثلاثة من أهل الكتاب.
وقد مضى في النحل ذكرهم.
{فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا} أي بظلم.
وقيل: المعنى فقد أتوا ظلمًا.
{وَزُورًا وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين} قال الزجاج: واحد الأساطير أسطورة؛ مثل أحدوثة وأحاديث.
وقال غيره: أساطير جمع أسطار؛ مثل أقوال وأقاويل.
{اكتتبها} يعني محمدًا.
{فَهِيَ تملى عَلَيْهِ} أي تلقى عليه وتقرأ.
{بُكْرَةً وَأَصِيلًا} حتى تحفظ.
و{تملى} أصله تُملَل؛ فأبدلت اللام الأخيرة ياء من التضعيف: كقولهم: تَقَضَّى البازي؛ وشبهه.
قوله تعالى: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السماوات والأرض} أي قل يا محمد أنزل هذا القرآن الذي يعلم السر، فهو عالم الغيب، فلا يحتاج إلى معلم.
وذكر {السر} دون الجهر؛ لأنه من علم السر فهو في الجهر أعلم.
ولو كان القرآن مأخوذًا من أهل الكتاب وغيرهم لما زاد عليها، وقد جاء بفنون تخرج عنها، فليس مأخوذًا منها.
وأيضًا ولو كان مأخوذًا من هؤلاء لتمكن المشركون منه أيضًا كما تمكن محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهلا عارضوه فبطل اعتراضهم من كل وجه.
{إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} يريد غفورًا لأوليائه رحيمًا بهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وقال الذين كفروا}.
قال ابن عباس: هو النضر بن الحارث وأتباعه، والإفك أسوأ لكذب.
{وأعانه عليه قوم آخرون}، قال مجاهد: قوم من اليهود ألقوا أخبار الأمم إليه.
وقيل: عداس مولى حويطب بن عبد العزّى، ويسار مولى العلاء بن الحضرمي، وجبر مولى عامر وكانوا كتابيين يقرؤون التوراة أسلموا وكان الرسول يتعهدهم.
وقال ابن عباس: أشاروا إلى قوم عبيد كانوا للعرب من الفرس أبو فكيهة مولى الحضرميين.
وجبر ويسار وعداس وغيرهم.
وقال الضحاك: عنوا أبا فكيهة الرومي.
وقال المبرد: عنوا بقوم آخرين المؤمنين لأن آخر لا يكون إلاّ من جنس الأول انتهى.
وما قاله لا يلزم للاشتراك في جنس الإنسان، ولا يلزم الاشتراك في الوصف.
ألا ترى إلى قوله: {فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة} فقد اشتركتا في مطلق الفئة، واختلفتا في الوصف.
والظاهر أن الضمير في {فقد جاؤوا} عائد على {الذين كفروا} والمعنى أن هؤلاء الكفار وردوا ظلمًا كما تقول: جئت المكان فيكون جاء متعديًا بنفسه قاله الكسائي، ويجوز أن يحذف الجار أي بظلم وزور ويصل الفعل بنفسه.
وقال الزجاج: إذا جاء يستعمل بهذين الاستعمالين وظلمهم أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي كلامًا عربيًا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب، والزور إن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه.